نبذة عن طرفة بن العبد
طفولة معلبة
عمرو بن العبد الملقب طرقة من بني بكر بن وائل. ولد في البحرين نحو سنة ٥٤٣ في أسرة كثر فيها الشعراء، وفقد أباه وهو طفل، فتعهده أعمامه، إلا أنهم ظلموه ومضموا حقوق أمه وردة بنت عبد المسيح، فنشأ لاهياً يذر ماله في السكر والمجون ، فطرده قومه وراح يضرب في البلاد متشرداً ، ثم عاد الى قومه فارعوه الإبل.(من هو طرفة بن العبد)
في بلاط الحبرة
أهمل طرفة رعاية الإبل حتى قام خلاف بينه وبين أخيه معبد في شأنها ، وكانت الخاتمة أن عاد طرفة الى الضرب في البلاد حتى بلغ بلاط الحيرة وفيه صهره عبد الحمرو بن بشر وخاله المُتلمس ، فاستقبله الملك عمرو بن هند بحفاوة ، ولكنه ما عتم أن غضب عليه لما بلغه من تجرؤ وسلاطة لسان.
مقتله
همجا طرفة عمرو بن هند ملك الحبرة ، فاضطعنها الملك عليه حتى إذا ما جاءه هو وخاله المتلمس يتعرضان لفضله أظهر لهما البشاشة وأمر لكل منهما بجائزة. وكتب لهما كتابين، وأحالهما على عامله بالبحرين ليستوفياها منه ، وبينما هما في الطريق ارتاب المتلمس في صحيفته. فعرج على غلام يقروها له، ومضى طرفة ، فإذا في الصحيفة الأمر بقتله. فحاول اللحاق بطرفة ليخبره فلم يستطع ، وفر الى ملوك غسان، وذهب طرفة الى عامل البحرين فقُتِلَ هناك نحو سنة ٥٦٩.
ولما يتجاوز السادسة والعشرين من عمره. وقد نسب الى أخته الخرنق رثاة له ، كما رثاه خاله المتلمس. وهكذا مات طرقة في ربيع الحياة ، ولم يتح له أن يُعطي للأدب ما كان باستطاعته أن يعطي، وكان باستطاعته أن يُعطي كثيراً لأن موهبته الشعرية التي تفتحت منذ عهد الطفولة كانت من أعظم المواهب التي عرفتها الجاهلية.
كان طرفة بن العبد شاعرا عربيا وفارسا في فترة ما قبل الإسلام، ويمتاز في الحماسة والفخر. و ساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة هو عمرو بن عبد بن سفيان من بني بكر بن وائل، وطرفة لقب،غلب إسم الشاعر، وكاد يطمسه ،وقيل إسمه عمرو وقيل أيضا بل إسمه عبيد وإن سبب تلقيبه بطرفة هو قوله
أدب طرفة بن العبد
لطرفة بن العبد ديوان صغير في الشعر ينطوي على غزل وهي وفخر وهجاء ووصف ، وما إلى ذلك مما تجده في أكثر الدواوين الجاهلية. وشرح هذا الديوان الأعلم الشنتمري في القرن الحادي عشر، ونشره بالطبع المستشرق وليم بن الورد Ahlwardt في لندن سنة ۱۸۷۰ ، ثم الأب لويس شيخو في مجموعته وشعراء النصرانية ، ثم المستشرق مغسون Ma Seligohn
المعلقة
مضمونها : المعلقة أشهر ما في الديوان، وهي دالية من البحر الطويل تقع في ١٠٤ أبيات افتتحها الشاعر بوصف أطلال حولة وما يتعلق بها من رحيل وما الى ذلك مما نجده في أكثر المعلقات، ثمّ انتقل الى خولة نفسها فوصفها متغزلاً ، والى الناقة فوصفها مغرقاً في ذكر أجزاء جسمها وظاهرات سرعتها . ثم انتقل الى نفسه مفاخراً و مفصلاً ما مر به من أ به من أحداث وما قام به من مغامرات، ومدلياً بآرائه في الحياة والموت ، ثم ايطالى الى ابن عمه مالك يُعاتبه ، والى ابنة أخيه يُوصيها بأن تندبه بما هو أهل له. ثم يحتم الشاعر قصيدته ببعض الحكم والآراء.
وفي هذه المعلقة شتّى الأغراض الشعرية التي عالجها الجاهليون، والذي يهمنا منها ما هنالك من حكم وخواطر تدلُّ على نفس الشاعر الشاب الذي عبثت به الحياة فأراد أن يعبث بها ، والذي نهض في وجه مجتمعه يتحدى مذاهبه وتقاليده في جرأة وصراحة.
مطلعها والباعث على نظمها
حمل طرفة على نظم هذه المطولة تقصير ابن عمه في المعاملة وإساءته إليه في لوم وإبداء، ومطلعها :
لِخَوْلَةَ أَطْلالُ بِبُرْقَةِ تَهْمَدِ تلوح كباقي الوشم في ظاهِرِ البَدِ
طرفة في معلقته
القسم الرئيسي في معلّقة طرفة هو الشكوى والعتاب وما جراه من آراء في الحياة. أما ما تقدم ذلك من غزل، ووقوف على الأطلال، ومن وصف للناقة، فإطار تقليدي، وذكريات تمهيدية، وميدان لإظهار الحذق والبراعة في مجالات التنافس والمباراة.
١- طرفة بن العبد جاهلي مُغرق في الجاهلية روحاً ولغة وأسلوباً. فهو شديد التمسك بمذهب الجاهليين في تركيب القصيدة من وقوف كلاسيكي بالطلول، الى وصف لظعن الحبيبة ، الى وصف تفصيلي لسفينة الصحراء ، الى شتى الأغراض التي تخطر لابن البوادي . وطرفة الى ذلك أشدّ ما يكون اقتراباً من خطة امرئ القيس في التتبع والتشبيه الحسي والاندفاق الشعري، وإنك لتجد بعض المعاني مشتركة بين الشاعرين.
وفضلاً عن ذلك فطرفة شديد الاغراب في وصف الناقة حتى لتحسب أن ألفاظه ومعانيه من أقصى الجاهلية . وفي خواطره نفسها تجده جاهلياً يتمسك بالمروءة الفطرية ، والتعالي القبلي، والنجدة السريعة، والكرم البدوي، والمفاخرة بشرب الخمرة ، والأخذ ببعض المعتقدات ولو في شيء من الاستخفاف:
ولست بحلالِ التَّلاعِ مَخافَةٌ ولكِنْ مَتَى يَسْتَرفِدِ القَوْمُ أَرفدا
وإن يلتقِ الْحَيُّ الْجَمِيعُ تُلاقي إلى ذُرِّوَةِ البيت الكريم المُصمد
كريم يُرَوِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِهِ مخافة شُرب في المَماتِ مُصرد
٢ – وعلى تمسك طرفة بواقع الجاهلية تراه يمتد الى ما بعدها في المكان والزمان ومعاني الحقائق الوجودية. فهو يتمسك بالعصيّة القبلية على أنها سانحة نجدة، وميدان بذل ، ومنطلق مفاخرة مما يُرضي روح الفتوة فيه ؛ ولكنه يتنكر لها على أنها قيد اجتماعي يُضَيقُ الآفاق ويخنق الآمال، وذلك أنه لقي من ذوي قرباه ظُلماً فقد عبثوا بحق أمه وردة وأطفالها ، وشردوه كالبعير المعبد، وعندما عاد الى حيه أرعوه الإبل وتنكر له أخوه معبد، كما تنكر له بعد ذلك صهره عبد عمرو بن بشر وأغرى به ملك الحيرة … هذا كله حمل الشاعر على النظرة الانسانية التي لا تحصر الوجود في القبيلة أو في العشيرة: وما زَالَ تَشْرافِي الخُمور ولدتي ، ويعي وإتفاقي طريق ومثلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد الشعير المعد
خصائص الشاعرية طرفة بن عبد
الألفاظ
يجمع طرفة بن العبد بين العذوبة الجميلة السلسة والحوشية الغريبة المعقدة في ألفاظه فإذا وصف رأيت ألفاظا بعيدة غريبة قوية ضخمة مشرفة في حوشتها و غرابتها، وجدت السهولة والوضوح في لفظه حينما فخر أو هجا ، وإذا أرسل الحكمة وجدت جمالا وسلاسة وسهولة
الأسلوب طرفة بن العبد
أسلوب طرفة بن العبد قوي جزل رصين،يمتاز بالمتانة، وأسر اللفظ وفخامة الأسلوب وقوة القافية مع سهولتهاتجد فيه جزالة وقوة في كثير من شعره، ورقة وسهولة في بعض غزله، وفي حكمته وفي عتابه وفي وصف مطامحه وآماله وآلامه والجزالة والرقة تختلف موضوعها بإختلاف المقام ومواطن الكلام وفنونه وفي أسلوبه معاظلة في التركيب وتعقيد في الكلام حينا، وفي غالب الأحايين نجد وضوحا ودقة تصوير، وجمال تعبير، وقرب مأخذ وسهولة عرض و رشاقة بيان
المعاني والأخيلة طرفة بن العبد
معاني طرفة بن العبد تتصل بنفسه وحياته وقبيلته و بالصحراء والبادية التي عاش فيها و بتاريخ قومه و أحسابهم وبالحياة العربية عامة إتصالا وثيقاوطرفة في معانيه قريب،واضح أحيانا، وخفي معقد حينا،يقتصر على بيان الحقيقة ،قليلة الغلو والمبالغة، يصور الحقائق و الواقع تصوير أقويا و خياله خيال يقض مشبوب حاد ،يحلق قريبا من الحياة والواقع، يظهر في أسلوبه الإستعارة والتشبيه أحيانا،و يجنح إلى القصد والاعتدال والصدق وفي معانيه معان مكرورة، متقاربة الخيال، وطرفة على أي حال من المقلين في الشعر، ومعلقته سبب شهرته وتمتاز بوفرة معانيها وتنوع أغراضها و قوة عافيتها وصدق تصويرها
أغراض الشعر وفنون طرفة بن العبد
ولقد نظم طرفة الشعر في أغراض كثيرة وأجاد فيها إجاد بليغة ومن أهم هذه الأغراض الغزل والهجاء و الوصف والحكمة و الفخر.
طرفة بن العبد شاعر الغزل والوصف
1 – أما الغزل
وأعني بنوع خاص ما ورد في المعلقة فهو وصف أكثر مما يسمى غزلاً ، وهو وصف مادي وتشبيه حتي ، ، لا يحوي اختلاجاً ولا اضطراباً ، ولا ينبض بالحياة ، ولا يجاري غزل امرئ القيس في الحوار والقصص، والشاعر يمر به مراً ، وبوطئ به لوصف الناقة وللمحكمة.
٢ – وأما الوصف
ولاسيما وصف الناقة – فهو ميدان واسع للمباهاة والمنافسة، وقد بذل الشاعر كلّ ما بوسعه ليكون الوصف كاملاً يحوي من الألفاظ الغريبة والموسيقى القاسية ما يضطرب في جو من الضخامة الفريدة في نوعها. وكأني بطرفة قد ربط ناقته إزاءه وأخذ يرسم أجزاءها رسماً دقيق المعنى يرتقي على أجنحة من الخيال الأسطوري شديدة الانطلاق وثابة الخطى ، وإنك وأنت تقرأ هذا القسم من المعلقة لتشعر بأنك في بلاد الملاحم والغرائب، وأن طرفة يندفع ) اندفاعاً شديداً ويريد أن يتباهى بالمعرفة والسلطان على التعبير والتشبيه. وتشبيهه متراكم تراكماً يحملك على الظن أن كل ما في هذا الوصف صور وأصباغ أو حركة وحياة. وطرفة يعنى عناية خاصة بالتاثير وهو يرمي إليه عن طريق الضخامة والموسيقى ، وهو في موسيقاه الشعرية يحاول أن يجعل النغم صدى للمعنى وصورة له.
طرفة شاعر المدح
مدح طرفة بن العبد المناذرة بالحبرة ومدح غيرهم كسعد بن مالك ، ومدحه وجيز يدور حول الصفات المعهودة التي نجدها في كلّ مدح من كرم، ونبل أصل ، وطلب العلى ؛ ولكننا لا نجد في مدحه تذللاً أو ترلُّفاً بل نشعر أنّ نفسه تنبض بالشهامة والعنفوان والكرامة .
خاتمة طرفة بن العبد
هذا هو طرفة بن العبد بل هذا هو الشباب النابض بالحياة وبالشعر، وهذا هو العقل الذي فكر فطعت على تفكيره العاطفة القياضة ، وهذه هي المحلة الصاخبة التي لم تخرج في صخبها عن الواقع المحسوس ، ولم تُبعد النطق عن الصراحة والصدق، وطرقة ، على تطرفه وضخامة ألفاظه ، رقيق قريب إلى القلب ، تحبه وإن أبغضنا الحراف سيرته و بعض آرائه ، ونحترم على كل حال نفسه التي : تألمت وبنت ، ورب نفس كبيرة يحني عليها وظلم ذوي القربى.