أبو الوليد حسان بن ثابت ولد بالمدينة.ونشأ في بيت شرف وجاه. ثم إتصل بالغساسنة ومدحهم كما إتصل ببلاط الحيرة. وحل فيه محل النابغة إذ كان النابغة خلاف مع النعمان. ثم إنتقل إلى الإسلام وناصره بلسانه .ورده على خصومه.فكان شاعر الأنصار في الجاهلية. وشاعر النبي في النبوّة.وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. و قد عاش حسان بن ثابت نحو مئة و عشرين سنة
“ستون منها في الجاهلية و ستين في الإسلام “
نشاء حسان بن ثابت في المدينة بين قومه الخزرج والأوس ويهود المدينة. وقد كان بين الأوس والخزرج سلسلة حروب تكاد تكون متصلة الحلقات. ومن أيامهم يوم بعاث ويوم السميحة ويوم الدرك ويوم الربيع ويوم البقيع إلى سائر أيامهم . وقائعهم من ما جاء أكثره في شعر حسان . فكان نصيب حسان من هذه الأحداث نصيب الشاعريالذي أذاب الشعر والشعر ويذيبه. ويدعو القول و القول يجيبه، مثل العبقري المُفَّتن الموهوب الذي ملك الفني عليه حسه،
حسان بن ثابت في الجاهلية
حسان بن ثابت شاعر جاهليٌ تطغي عليه النزعة القبلية. فينهض في وجه قبيلة الأوس وهي من أعداء قومه. ويفاخرها بأسلوب قديم وصلابة جاهلية
قبل أن يعتنق حسان الإسلام . كان كسائر شعراء ما قبل الإسلام وقف نفسه للدفاع عن شعبه بالمفاخرة. لذلك كان شعره شعر الصراع القبلي ، تغمره صيغة الفخر
الداعي إلى ذلك العداء الذي كان ناشباً بين قبيلة الشاعر وقبيلة الأوس. فقد هب في وجه شعرانها ولا سيما قيس بن الخطيم وقد طابت المنافسة بين حسان وقيس. ينشر كل منهما مثالب قوم الآخر ويفخر عليه وعلى قومه.
ويقوم فخر حسان بن ثابت في هذا العهد على ذكر الشجاعة والكرم والشرف الاصل والنسب بعد مقدمة غزلية علي ماعاهدناه عند الشعراء الاقدميين. وإن في فخر حسان لنفحةً عاليةً واندفاعاً شديداً.
إتصل حسان بن ثابت بملوك غسّان و بملوك الحيرة ومدَحهم. وكان مدحه لهم على الطراز القديم يحفل بالتّضخيم والتعظيم كما يحفل بالكلام العالي اللّهجة. الصعب الألفاظ، وقد طابت له الحياة في ظل تلك النعمة الوارف.
إتصل حسان بن ثابت ببلاط الغساني والبلاط اللخمي فمدح كثير من أمراء غسان أشهرهم عمرو الرابع، ابن الحارث السادس،(٥٩٧). و أخوه النعمان السادس المعروف بأبي كرب،(٦٠٠)ولاسيما جبلة ابن الأيهم.
وقد قرب الغساسنة الشاعر وأكرموه وأغدقوا عليه العطايا وجعلوا له مرتبا سنويا. و مدح حسان أيضا النعمان أبو قاموس ملك الحيرة و لقى عنده حظوة.
إسلام حسان بن ثابت
ولما بلغ حسان بن ثابت الستين من عمره دخل الإسلام، وراح يرد هجمات القرشيين اللسانية، ويدافع عن محمد والإسلام ويهجو خصومهما.فأثني محمد علي شعره، وعطف عليه وقرّبه منه،وقسم له من الغنائم والعطايا،ووهبه ” سيرين” أخت مارية القبطية أم ولده ابراهيم كما وهبه قصرا بالمدينة كان أبو طلحة قد وقفه على آل محمد إلا أن ثابت كان جبانا فاكتفي بالشعر و لم ينصر محمدا بسيفه، ولم يجري على مرافقته إلى الحروب ولم يشهد مشهداً ولا غزوة
قال ابن سعد:عن الواقدي:”لم يشهد مع النبي صلي الله عليه وسلم مَشهداً كان يجبن”
نصب حسان بن ثابت نفسه للدفاع عن الدين الجديد والرد على انصار القديم .وقد نشبت بين الفريقين معارك لسانيةٌ حاميةٌ،وكان الشعر شعر نضالٍ يهجي فيه الأعداء ويمدح فيه رجال الفريق ،ولم يكن المدح والهجاء للتكسب أو الاستجداء، بل للدفاع عن سلطتين دينيتين وعن حكمين مختلفين تتنازع البقاء، ومن ثَم إصطالشعربغ شعره بصبغة السياسة فكان شعراً سياسياً حقيقياً
بعد وفاة محمد إهتم حسان لشؤون الأنصار في نزاعهم مع المهاجرين على السلطة الزمنية والدينية،فانحاز إلى عثمان بن عفان فندبه وحث على الاثنار له متهماً علياً،ثم التصق بمعاويةفأكرمه إكراماًجزيلاً
وفاة حسان بن ثابت
اجمع المؤرخون العرب على أن حسان عاش مائة و عشرين سنة ستون منها في الجاهلية وستون في الاسلام، وذكر بعضهم انه بلد قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم ببضع سنين.
ورأى آخرون أنه مات سنة(٥٠ ه) في خلافة معاوية بن أبى سفيان غير أن المستشرق الشهير نولدكه لا يعتقد أنه عاش هذا العمر الطويل ،ويعلل وَهْم قدماء المؤرخين بأنه التبس عليهم أعمار ملوك غسان وتسلسلهم .و علي الأرجح أن يكون حسان اتصل ببلاط بني جفنهة حوالي سنة ٦١٠م.
يقول نولدكه :”مات النعمان بن المنذر الغساني سنة ٥٨٣م. ثم تلاه الملك الحارث الأصغر، ثم الحارث الأعرج ابنه أبو حُجر النعمان ابنه ثم أخوه عمرو بن الحارث الذي اتصل به حسان. هؤلاء كلهم ماتوا بين ۵۸۳-٦١٤م.
فمن المعقول أن يكون عمرو بن الحارث قد ولى الحكم سنة ٦٠٨-٦١٠م. واتصل به حسان في تلك المدة .وإذا عرفنا أن حسان مات سنة ٦٦٠ وجدنا أنه مات بعد اتصاله بالغساسنة بخمسين سنة.فلو اتصل بهم و عمره ثلاثون لمات ابن ثمانين . ويختتم المستشرق كلامه بالقول”:”أن في قصائده التي رثى بها عثمان لقوةً لاتكون في الشيخ الفاني الذي جاوز المئة”
أغراض الشعر حسان بن ثابت
أكثر شعرحسان بن ثابت في الهجاء وماتبقى في الافتخار بالانصار،ومدح محمد والاسلام ،والغساسنة والنعمان بن المنذر وغيرهم من سادات العرب وأشرافهم ووصف مجالس اللهو والخمر مع شيء من الغزل.
خصائص شعر حسان بن ثابت
أما أن حسان بن ثابت من فحول الشعراء فهذه قضية لا يتماري فيها شاعر. و لا يختلف فيها اثنان وانت فمن أي النواحي أتيته وجدته شاعرا كبيرا كسائر شعراء الجاهلية الفحول.
أما من جهة الطبع فحسان شاعر مطبوع ولا أدل على ذلك من أنه مُعرَق له في الشعر. فأبوه شاعر وجده شاعر وأبو جده شاعر كما أن ابنه شاعر وحفيده شاعر، وحسان منهم واسطة القلادة وبيت القصيد.
واما من جهة أغراض الشعر التي جال فيها فقد مدح وهجا وافتخر وشبب ورثى ووصف وهام في كل واد وتصرّف في سائر فنون الشعر ولم يقصر
واما من ناحية الديباجة فديباجته عصره،وأسلوبه أسلوب فحول الشعراء الجاهلية والمخضرمين.
آراء النقاد في شعر حسان
قال ابو عبيده فَضَل حسان الشعراء بثلاث: “كان شاعر الأنصار في الجاهلية ،وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة، وشاعر اليمن كلها في الاسلام.وقال اجتمعت العرب على أن حسان أشعر أهل المدر. “
وقال الأصمعي:” حسان أحد فحول الشعراء.فقال له ابو حاتم:تاتي له أشعار لينة، فقال الأصمعي:تنسب له اشياء ولا تصح عنه، فقال الأصمعي مرةً، الشعر نكدة يقوي في الشر ويسهل فاذا دخل في الخير ضَعُف ولان، هذا حسان فحل من فحول الشعراء الجاهلية فلما جاء الاسلام سقط شعره “.
وقال عمر بن العلاء: حسان أشعر اهل الحضر. وقال ابو الفرج الاصفهاني حسان فحل من فحول الشعراء
وقد سمع النابغة الذبياني شعر حسان فقال له:” إنك لشاعر”، وكان الأعشي صديقه و شهد له في الشاعرية. هذه آراء أئمة اللغة و الشعراء في حسان و شعره