نشات وحيات محمد حسین هیکل
ولد محمد حسين هيكل في قرية اسمها “كفر غنام” من أعمال مركز السنبلاوين بمديرية الدقهلية بمصر سنة ١٨٨٨م. وكانت أسرته ريفيـة مصرية صميمة، وفي مدرسة القرية حفظ القرآن. ثم أرسل إلى القاهرة للتعليم في معاهدها. وهناك أكمل دروسه الابتدائية والثانوية في مدرسة “الجمالية الابتدائية ، ” ومدرسة” الخديوية الثانوية”. ثـم التـحـق بمدرسة الحقوق حيث درس أربع سنوات، حتى نال شهادتها سنة ١٩٠٩م. ثم قصد فرنسا للتخصص، والتحق بكلية “السوربون” في “باريس”، وفي سنة ۱۹۱۲م ـ بعد دخوله السوريون بثلاث سنوات.
فاز محمد حسين هيكل بالدكتوراه في الحقوق، ورجع إلى مصر. عمل محاميًا في مدينة “المنصورة” حيث أسس مكتب محاماة. و زاول هذه المهنة مـدة عشر سنوات (۱۹۱۲-۱۹۲۲) بكفاءة ومهارة. لكنه بدأ يلقي بعض المحاضرات في الجامعة المصرية الأهلية منذ ۱۹۱۷م. لأنه على الرغم من عمله كمحام ، كان يميل بشكل طبيعي نحو الأدب. فانصرف إلى دراسة الآثار العربية القديمة، واتصـل بلطفي السيد.
فنشأت فيه عاطفة إصلاح قومه ومعالجة قضاياه، فأرهف قلمه للكتابة. وخاض بـه في أمهات الجرائد في سائر موضوعات الحيـاة. يدعو إلى التجديد، والأخذ بأسباب الحضارة والتقدم. ودعته الجامعة المصرية إلى إلقاء المحاضرات في كلية الحقوق. قلبي دعوتها بالإضافة إلى مشاغل المحاماة.
حيـات محمد حسین هیکل الصحافيـة و السياسية
ولما قامت الأحزاب السياسية لنيل الحرية خاض محمد حسين هيكل المعركة السياسية. وانضم إلى حزب الأحرار الدستوريين، ولما أصـدر هـذا الحزب جريدة “السياسة” سنة ١٩٢٢م تولى هيكل رئاسة تحريرها. وبازدياد شقفة بالسياسـة تـرك المحاماة وانغمس في غمار الحيـاة الصحافيـة ، والسياسية. وتمتد مرحلة الصحافة والسياسة من سنة ١٩٢٢م إلى ١٩٣٧م.
وفي عام ١٩٣٧م انتقل هيكـل مـن السياسة إلى الخدمة الحكومية. فاختير وزيرا للدولة ، ثم وزيرا للمعارف. ثم رئيسا لمجلس الشيوخ سنة ١٩٤٥م، وظل في هذه الرئاسة إلى سنة ١٩٥٠م.
وبين الوزارة والرئاسة قضى أكثر من اثنتي عشرة سنة. لكنه احتفظ بشجاعته الأدبية، وتمسكه بمبادئه. بعيداً عن التملق والمداهنة، وأخيراً ترك الوزارة، وكرس وقته كلـه للأدب. فعكف على دراسة التاريخ الإسلامي، فأصدر سلسلة من الكتب في الموضوعات الإسلامية كـ “حياة محمد” وهو من المحاولات الرائدة لعرض السيرة النبوية بأسلوب علمي معاصر.
وقد دفعه إلى التأليف في السيرة الشبهات والمغالطات التي بثها المستشرقون في كتبهم. وقوبـل هـذا الكتاب في الأوساط العلمية. ونقل إلى لغات مختلفة و حيـاة الصـديـق أبـي بكـر و”حياة الفاروق عمر” وأصدر مذكراته ، ورواية” هكذا خلقت”. والأستاذ هيكل من رواد الكتاب في القصة العربية. وقصة زينب التي ألفها تعد من الكتب الأولى في القصة العربية المعاصرة.
مؤلفات محمد حسین هیکل
كتب هيكل في معظم الفنون النثرية ، فأنشأ المقالات والفصـول مـن سياسية وأدبية، وألف كتـب التـاريخ ، والسير، والنقد، والرحلات ،والقصص، ومن أهم مؤلفاته :
- زينب صدر سنة ١٩٢٤م، وهي رواية ريفية مصرية.
- جان جاك روسو” دراسة في حياته وكتبه، صدر الجزء الأول سنة ۱۹۲۱م، والجزء الثاني ١٩٢٢م.
- “في أوقات الفراغ” مجموعة رسائل أدبية تاريخية فلسفية أخلاقية ،١٩٢٥م.
- “عشرة أيام في السودان” وصف لما رآه في السودان ، ۱۹۲۷م.
- ولدى عواطف وتأملات أوحاها إليه فقد ولده ، سنة ١٩٣١م.
- “ثورة في الأدب” فصول في النقد الأدبي ، سنة ١٩٣٣م.
- “حياة محمد” صلى الله عليه وسلم، سنة 1935م.
- “في منزل الوحي” وصف رحلته إلى الحجاز، سنة ١٩٣٧م.
- الصديق أبو بكر سنة ١٩٤٣م.
- “الفاروق عمر” سنة ١٩٤٦م.
- “مذكرات في السياسة المصرية” سنة 1951م.
- “هكذا خلقت” قصة من صميم حياة مصر المدنية ، سنة ١٩٥٤م.
موقف محمد حسین هیکل إناء الحضارة الغربية، الوسطية
هيكل ليس من الدعاة إلى تقليد الغرب كلياً، كمـا يـراه طه حسين وسلامة موسى وغيرهما من الكتاب ، وإنما يقف إزاءه في الوسط ، فهو يدعو إلى أخذ ما يليق أخذه من حضارة الغرب، في أرضية شرقية، فهو يرى أن يتم غرس الحضارة الغربية في أرض الشرق ، فتنمو نمواً طبيعياً ملائماً لطبيعة الحياة الشرقية، وهـو يـؤمـن بحريـة الشـرق، ويدافـع عـن إصلاح الأوضاع الفاسدة في الشرق، كذلك أسلوب كتابته ليس غربياً ولا قديماً بل أسلوب يحمل مزايا الأسلوبين بامتزاج عادل، وقد وصـف طـه حسين أسلوبه بأسلوب معتدل ، فقال : .
وهو يشير إلى الركود الذي كان يسود الأدب في أوائل عهد هيكل : “وكان هيكل كما كان بعض زملائه يحاولون أن يخرجـوا مـن هـذا الركود الأدبي، وألا يقلدوا قديماً ولا يقلدوا جديدا، وأن ينشـؤا في مصـر أدبا مصريا لا يخرج عن اللغة العربية الفصيحة السمحة ، ولا يتورط في الابتذال في المعاني ولا في هذا التكلف القديم ، تكلف الجناس والاستعارة
وفنون البديع. ويقول : أشهد أن هيكل من أبرع الجيل الذي نشأ فيه فما أسرع ما استكشف شخصيته ، وما أسرع ما فرضها على الذين يقرأونه وما أسرع ما فرضها على العصر الذي عاش فيه”.
المادة و الروح
إنه كان رجل مثل ومبادئ، وعقيدته لا تحيد ولا تتغير، وكـان مبداء أن الإصلاح تطور مستمر، لا تغير عنيف مفاجئ، وقد عبر عن هذا المبدأ في روايته ، “هكذا خلقت”. ومن طبيعة هيكل أداء الواجب ، وكان ذلك دأبه في حياته المهنية والصحافية والسياسية ، كما كان في المناصب الحكومية وما فوضته إليه من مسئوليات عمومية ، فمهما كانت المغريات لم يضعف عزمه أمامها، ولم ينحرف لأجلها عن القيام بما يطلب منه على أحسن وجه.
وفي شؤون الحياة يميل هيكل إلى التفاؤل، وهو من المؤمنين بالمثل العليا التي تضعها الشرائع الإلهية لتنير للإنسان سبيل الحياة الفضلي، وكان طوال حياته يعتقد بقوة روحية ، تدبر الكـون وتسيره نحو الخير م الأعظم، ومثل هذا الاعتقاد يملأ الإنسان بروح الثقة، والرجاء، ويحفزه إلى العلم والكفاح ، ومكافحة كل ما يقف عثرة في سبيل التقدم.
وكان هيكل يعتمد العقل في كل شيء، فالتجديد عنده سـواء أكـان في اللغة أو في العادات أو المعتقدات ، يجب أن يكون مبنيا على أساس عقلي راهن، لكي يأتي بالثمار المطلوبة، وكان متزن التفكير، لا يسمح العاطفة أن تغلب على العقل.
يرى هيكل أن الأدب رسالة لها قيمة وتأثير، فيجب على الأديب حسن استخدامه، ويدعو هيكل إلى “الأدب الذي يقتحم الحياة حرا طليقاً غير هياب ولا متردد. الأدب الحريص على الحق الذي هو صلة الإنسان بالوجود كله. بهذه الأفلاك التي نرى ، وبهذه السماوات التي تعمرها ، وبالروح الفياض بالضياء، والذي يحيط بذلك كله – ويبعث إليه الحياة والنور، وصلة الإنسـان بـالوجود، وبهذا الروح الذي ينظم الوجـودجميعاً، هي الحقيقة العليا التي يجب أن تكون محج كل باحث، وكـل كاتب، وأن تكون رسالة كل أدب يطمح في أن تقوم على أساسه حضارة سليمة تكمل للإنسانية المعد والسعادة .
اسلوب محمد حسین هیکل
يمتاز أسلوبه بدقـة الوصـف، وتصـويـر المشـاعر، والاتزان في التحليل، والسهولة والبلاغة التي لا تكلف فيها. يصف هيكل في روايته “زينب” وهي باكورة إنتاجاته الأدبية كتبها في باريس يوم كان يتخصص في الحقوق
“هو ذا بطل القصة حامد يجلس أمام النافذة في ليلة ممطرة، وهو ساهد مثقل الصدر، والمطر متتابع لا ينقطع ، تتسلى به آذان ذلك الساهر في أحلامه ، وحوله في الغرف المجاورة كل مرتاح البال ذاهب في نومه، ثم بعد أن أفرغت السماء جعيتها تبين حامد من الزجاج شعاعا ينساب في الظلمة الدامسـة .. ثم يتقشع السحاب بطيئاً بطيئاً، وأسفر القمر مريضاً ناحلا… وعاود السكون كل شيء، فلم يعد يسمع صوتاً ولا يميز حركة ، وكأن ذلك أحدث وحشة في نفس حامد، فانقلب إلى مرقده وقضى بقية ليله بين أحلام لا تنتهي
والذي يلاحظه الناظر في كتابته الوصفيـة أن أروعـهـا مـا يتناول الصور المعنوية أو المشاعر النفسية ، فها هو مثلاً يزور غار حرا في الحجاز، فتهتز نفسه لديها لذكرى النبي صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن عليه ، ويتخطى بذهنه القرون إلى الماضي البعيد، وإذا هـو مسحور بصـورة ذلك اليوم الفذ في التاريخ ، إذ يتراءى له النبي بعين الخبال متمدداً في الغار وكأنه يسمع صـوت الملك إذ يهيب بالنبي أن يقرأ فيتردد وجـلاً، ويعـود إليـه الصوت : أن اقرأ، فيجيبه ماذا أقرأ؟ فيتلو عليه الصوت.
ها هو ذا يقف منصتاً كأنما يناديـه منـاد مـن السماء – إنه الصـوت الذي كان يحدثه في الغار” وهو يحدق في مصدر الصوت ويرى صاحبه فيزداد فزعاً، ويقفه الرعب مكانه ، ويلقي بنظرء إلى الجبل، ويصرف وجهه يمنة ويسرة، ثم لا ينفك يسمع ويرى ، ليست حواسه إذن مصدر
إقرأ المزيد
من هو المفتي محمد عبد من هو مصطفى صادق الرافعي من هو الحطيئة