حياتُ عمرو بن كلثوم
هو أبو الأسود عمرو بن كلثوم بن مالك التغلبي وأنه ليلى بنت المهلهل أخي كليب نشأ عزيز الجانب أنوفاً معجباً بنفسه أشد الإعجاب، وساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة ، وقاد الجيوش مظفراً. ولما قامت المساحة بين بكر وتغلب واحتكموا إلى عمر بن هند، وقف مدافعاً عن قومه ، وما إن فرغ من إنشاد قصيدته حتى ظهر له أن هوى الملك مع بكر، فاتصرف وفي نفسه ما فيها.
ثم خطر في نفس ابن هند أن يكسر من أنفة تغلب بإذلال سيدها ، فدعاه هو وأمه ليلى، وأخرى هنداً أنه أن تستخدمها في قضاء أمر، فضاحت لیلی: اوالاها یا التغلب : فسمعها عمرو بن كلثوم فشار به الغضب وقتل ابن هنا في مجلسه، ثم رحل تواً إلى بلاده بالجزيرة القرانية، وأضاف إلى معلقته قسم وأضاف إلى معلقته قسماً بين فيه سخطه على عمرو بن هند وأشار إلى الحادث إشارة واضحة. وقد عُمر عمرو بن كلثوم طويلاً، وقيل إن إنه بلغ من العمر مئة وخمسين سنة ،وتوفي نحو سنة ٦٠٠ م .
وهو شاعرا و فارسا, وهو أحد في فتاك العرب الذي فتك(قتل) بعمر بن هند ملك الحيرة. وساد قومه وهو في خامسة عشر من عمره. وكان شاعرا مطبوعا مشهورا بمعلقته. وكنيته ابو الاسود وقيل ابو عمير ،وأبوه فارس فرسان العرب و سادات قومه، وأخوه مرة قاتل النعمان بن المنذر المعروف ابو القابوس، وأمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة أخي كليب الذي يضرب به المثل في العزة، فهو حفيد مهلهل.
ولد في مطلع القرن السادس للميلاد في شمالي جزيرة العرب في منطقة ربيعة. ونشأ بالجزيرة بين ذوي الحسب الاعلى من تغلب. كانت قبيلته من أقوى القبائل العربية في فترة ما قبل الإسلام. وقد قيل فيها “لو ابطأ الاسلام قليلا لأكلت بنو تغلب الناس”. و نشأ على الفروسية والكبرياء و هو أحد فرسان وفتاكها وبه يضرب المثل في الفتك فيقال” أفتك من عمرو بن كلثوم “لفتكه عمر بن هند.
قضي حياته في منزل سادات، لذلك كان يمدح نفسه، و يفتخر بأسرته وشعبه. ويبدو يقول أن شعرنا لا نظير له في الشعر والبلاغة والخطابة والكرم والعطاء والشجاعة و فيما يتعلق بأخباره، لم يصلنا منها إلا القليل. وفي الحقيقة أن شاعرنا قضى حياته في الدفاع عن شعبه ، مشاركا في الهجمات والحروب حتي مات.
خصائصُ شعر عمرو بن كلثوم
في شعره ظاهرتان واضحتان، اولهما: الاعتزاز بالنفس والتغني بالبطولة الشخصية وتصوير مفاخرها. وثانيتهما: الاعتزاز بالقبيلة وتصوير مفاخرها وبيان عزمتها وعظمة فرسانها. لأنه نشأ بين سادات وفرسان قبيلته. فكان أمر الطبيعي أن يكون معجبا بنفسه وبقومه و بالإضافة, كان عمرو بن كلثوم شاعر مقل مطبوع، رائق الاسلوب، غمر البديهة، و نبيل الغرض. وليس له ديوان معروف، ولكن أشعاره متفرقة في الأغاني 118 ج9، و في الشعراء النصرانية 197، والجمهرة 74، والشعر والشعراء 117، وشرح القصائد العشر 108، وفي معجم البلدان و ديوان الحماسة وغيرها.
قتلُ عمرو بن هند
لما قامت المشاحة بين بكر و تغلب و احتكموا إلى عمرو بن هند،وقد وقف مدافعا عن قومه. وما إن فرغ من إنشاد قصيدته حتى ظهر له أن هوي الملك مع بكر. فانصرف وفي نفسه ما فيها. ثم خطر في نفس إبن هند ان يكسر أنفة تغلب بإذلال سيدها عمرو بن كلثوم فدعاه هو وأمه ليلى، وأمر عمرو بن هند أمه أن تستخدمها في قضاء أمر، فقالت أم هند ليلى في قبته،” ناولني ذلك الطبق”، فقالت ليلى:” لتقم صاحب الحاجة إلى حاجتها،” قالت لها مرارا وألحت، “فصاحت ليلى،” وا ذلاه يا لتغلب فسمعها عمرو بن كلثوم فثار به الغضب وقتل ابن هند في مجلسه، ثم رحل توا إلى بلاده بالجزيرة الفراتية
معلقةُ عمرو بن كلثوم
مضمونها
معلقة عمرو بن كلثوم نونية على البحر الوافر في نحو مئة بيت ، قال القسم الأول منها يوم الاحتكام والقسم الثاني بعد ما ثار بعمرو بن هند وقتله . أما القسم الأول فقد طواه الشاعر على مقدّمة تقليدية ذكر فيها الحمرة كما ذكر الحبيبة وخاطبها ووصفها وطواه بنوع خاص على المفاخرة دفاعاً وتهديداً . وأما القسم الثاني فكلام الثورة العارمة على عمرو بن هند، وفيه كثير من الفخر،والأنفة، والتأبي للعار.
والجدير بالذكر أن هذه القصيدة من أشهر الشعر الجاهلي وأشده سيرورة ، لا لأنها الأنقة والعزة ، من أحسنه أو من خير ما فيه، بل لأنها عامرة بالحماسة ، عامرة بروح ولأنها ذات جرس موسيقي في الوزن والقافية سريع العلوق بالأذن والحافظة. وكان بنو تغلب يكثرون من التغني بها حتى قال فيهم أحد البكريين متهكماً.
صحة نسبتها إلى صاحبها
لا شَكٍّ أن في اضطراب أبيات هذه المعلقة ، وفي الفروق الشديدة بين الروايات، وفي التكرارات السهلة ، والمعاني السخيفة التي نلحظها من وقت الى آخر ، ما هو الدليل الواضح على أنّ الأيدي لم تحفظ القصيدة سليمة من التحريف والتبديل ، ولاسيما أن الموضوع حماسي والوزن سهل الانقياد والموسيقى ملحمية تحمل على النظم والزيادة والتحريف.
بلاغة الشاعر في دفاعه
إفتتح الشاعر قصيدته بذكر الحبيبين : الحمرة والمرأة . أما الحمرة فأندرينية ذات قيمة وشأن إنها شآمية، من أقصى بلاد الشام ، وليست من الطائف أو بعض النواحي الأخرى من شبه الجزيرة. وإنها مشروب الأثرياء والأشراف. يشربها هو وقومه بالأقداح الكبيرة الواسعة نسخائهم وعلو منزلتهم. وأما الحبيبة فهي بنت الفكر ومطلع الوحي ، وهي الصلة التقليدية بين الشاعر وموضوعه.
ويتنقل الشاعر بين الحمرة والتباهي بشربها، وبين وصل الحبية وصرمها، حتى يصل إلى موضوعه الذي يهدف إليه، والذي قصد بلاط الحيرة للدفاع. عنه ، وإذا به يشن هجوماً فيه عنف وعنفوان يتوجه إلى عمرو بن هند ، ويخاطبه مخاطبة الند للند ، بل يخاطبه في استعلاء ومكابرة، وكأن كلامه استفزاز وتهديد. إنه سيد تغلب ، وتغلب سيف بتار في عنق كل عنيد جبار. وهي موتورة ، سير عمرو بن هند . جماعة منها ومن بكر في بعض أموره.
فافتقد أبناؤها في الطريق ، ولا شك أن البكرين هم الغادرون والمجرمون ؛ ولا شك أن سيد الحيرة الذي أطاعته قبائل العرب هو المسؤول عن ا الملكة التي حلت بقبيلة تغلب فعليه الاقتصاص من البكريين؛ وإلا فالسيف والحرب ! أما السيف فبنو تغلب أصحابه ، وأما الحرب فهم أربابها ، يباشرونها برايات بيض لا تلبث أن تصدر حمراء تقطر بالدماء. وسطوة تغلب من أقاصي الجزيرة إلى أقاصيها ، وبجدهم عريق يطاعنون دونه حتى يبين، ويجزون في سبيله الرؤوس في غير رحمة ولا لين.
لم يوفق الشاعر في دفاعه لأنه عصبي شديد التأثر، ولأنه معتد بنفسه شديد الاعتداد ، ولأنه يتحدى الملك في عقر داره ، ولأنه كالسيل الجارف فلا يراعي مقتضي الحال ، ولا يقيم للسلطان وزناً والسياسة والرزانة في مثل تلك الحال أقوى حجة للإقناع والاستمالة فكأني بالشاعر ينطلق في أجواء الفخر والحماسة أو في معمعان حرب دامية فيعيد الأمجاد ويهدّد ويتوعد ، ويظهر بذلك أنه وجماعته على غير صراط الحق ، وأنه وجماعته ممن لا يستنام إليهم ولا يؤمن جانبهم ، وهكذا أخطأ الشاعر الهدف وجر على قومه الوبال
قيمة أدب عمرو بن كلثوم
۱- في معلقة عمرو بن كلثوم تمثيل للتجربة النفسية التي عاناها الرجل، تلك التجربة الصاخبة التي تتغلب فيها العاطفة وتتدفّق في غير روية ولا اعتدال. فابن كلثوم شديد التفاعل مع واقع القبيلة وواقع الحياة الجاهلية، شديد الانفعال ، يتأثر بسرعة ، ويتضخم تأثره بقدر ما ينفعل ويتفاعل مع انفعاله، فيهاجم الملك مهاجمة بطل من أبطال الأساطير ، لا يقيم له وزناً ، ولا يرعى له حرمة ، ويناديه مناداة تحد ، ويشير إليه بالتريث والتأني ربما يسمع أخبار اليقين. وما أخبار اليقين سوى مشاهد متتالية من أعمال تقتيل وهول سجّلها تاريخ تغلب وبسطها للرؤساء والملوك عبرةً فلعلهم يعتبرون .
٢- والقصيدة ثورة عاطفة وثورة خيال وثورة ألفاظ وموسيقى . إنها خالية من وحدة التأليف، فلا ترابط بين الأجزاء ، ولا تساوق في المعاني ، ولا تطور في الأفكار إلا نادراً وجزئياً حيث يوضح بيت من الشعرِ ما سبقه أو يتم ما جاء فيه . فابن كلثوم لا يني ولا يؤلف، وإنما ينساق انسياقاً لا وعياً في تيار معانيه ، انسياقاً لا يُسيطر عليه عقل ولا إرادة . فكأنه دفع من عاطفة جياشة وخيال وتاب ، وكأَنَّ الهم كل الهم أن يتجسم الهول أمام ابن هند فينقاد للإرهاب في غير تردد ولا عناد.
٣- وفي عصف العاطفة الجامحة لا يتسنى للشاعر أن يُعالج الاستطراد شأن الجاهليين، أو أن يلجأ إلى الأوصاف التشيهية شأن أصحاب المعلقات. فقصيدته أنشودة فخر وحماسة، تتسابق فيها الأبيات زاخرة بمواقف العصبية الجاهلية، ومواقف التقتيل والسيطرة والقوة في غير هوادةٍ ولا اقتصاد وفي زحمة من الألفاظ الحرية، وموسيقى القتال التي تخلو من كل رزانة .
۴- وابن كلثوم ينطبق الحوادث والمشاهد بالمعاني التي يطوي عليها شعره . فهو لا يصرح بمعانيه تصريحاً، وإنما يبسط المشاهد والمواقف : رايات تورد يضاً وتُصدر حمراً، وملوك تترك على السيوف المهج والأرواح ، وبيوت منشورة تحت كل سماء. ولهذه المشاهد والمواقف دلالات ومعانٍ، ولها من ورائها أصوات ترهيب وتهويل.
إنها ولا شك لمحات ملحمية ، ولكنها لمحات مقتضبة، غير متلاحقة ولا متلاصقة ، هي جزئيات ملحمية لا تجمعها الوحدة ، ولا يبسطها التفصيل، ولا ترتفع من ثم الى جو الخوارق المدهشة التي تفوق مستوى القوى البشرية. لا شك أنها حافلة بالتضخيم والتجسيم ، ولا شك أن هذا التضخيم ملحمي، ولكن ملحميه تبقى ضمن نطاق التضخيم الخيالي الذي تنفخ فيه الحدة العاطفية، ولا يتجاوز حدود هذا النطاق الى حدود العقيدة التي تجمع بين عالم البشر وعالم ما فوق البشر
۵- أضف إلى ذلك أن الحماسة الملحمية في القصيدة تتضحم إلى حد أنها تصبح طفولية بدائية . فجل الرؤوس، والسيوف المخاريق بأيدي اللاعبين، والرحى التي تجعل الناس شيئاً من طحين. كل ذلك يدل على بدائية هي من مميزات الشعر الملحمي : وكل ذلك أيضاً يتناغم والبيئة الجاهلية التي تسيطر فيها القوة، والتي تقترن القوة في 10بعض نواحيها بالوحشية الضارية :