الفرزدق
الفرزدق

الفرزدق

 مولدالفرزدق والنشأة

أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة ، الملقب بالفرزدق ، ولد بالبصرة نحو ٦٤١ م / ٢٠ هـ . من أب ذي وجاهة وكرم ينتمي الى مجاشع بن دارم من تميم. ينتسب الفرزدق إلى أشرف بيوت تميم، الذين عرفوا بالكرم والشجاعة. وقد نشأ في بيئة بدوية، فترعرع وهو يحمل فخر أجداده في نفسه. فاندفع وراء الفسق والفجور ، مزواجاً مطلاقاً ، لا يثبت على حال. ومن النساء اللائي يذكرهن في شعره النوار ، التي تزوجها مرغمة ، وكان له منها عشرة بنين وبنات، ثم طلقها مرغماً لاستغاثها عليه بجرير خصمه .

اضطراب وقلق الفرزدق

لم يكن للفرزدق، على شهرته وكرم أصله ، كبير حظ عند أكثر ولاة العراق لتقلبه وحيث لسانه . وكان بنو أمية وعمالهم قليلي الثقة به والاطمئنان الى ولائه. ففي عهد معاوية احتك الشاعر بزياد ابن أبيه ، عامل معاوية على البصرة ، فتهدده زياد ، فتشرد من البصرة الى المدينة فمكة فاليمن فالبحرين ففلسطين قدمشق فالرصافة ، ومدح وهجا ؛ ولما مات زياد هجاه الفرزدق وهجا من رثاه . ثم مدح آل الزبير، وسمى عبد الله «خليفة»، وما إن غلبوا على أمرهم حتى انقلب عليهم وهجاهم ، وهجا الحجاج ثم استولى عليه الخوف فعاد الى الاعتذار معترفاً بحق بني أمية . ولما مات الحجاج رثاه ثم هجاه في قبره ليؤيد حق سلمان بن عبد الملك الذي كان الحجاج يأبى مبايعته . وفي عهد الوليد حج الشاعر وأنشد قصيدته في زين العابدين حفيد علي ، وأظهر عدم إخلاصه لأمية ، فحبس. ثم اتصل بسليمان بن عبد الملك ومدحه وسماه المهدي. ثم هجا آل المهلب – وكانوا قواداً في الدولة ـ ثم مدحهم ، ثم عاد فهجاهم. ولما بويع هشام بن عبد الملك بالخلافة أتاه الشاعر مادحاً بعد أن هجاه أميراً. وهكذا كان متقلباً في المبدأ، متقلباً في العاطفة ، لا يطلب غير المنفعة ؛ وكانت حياته لذلك في اضطراب وقلق .

حرب لسانية – وفات الفرزدق : 

لم ينحصر الاضطراب في حياة الفرزدق الاجتماعية والسياسية ، بل نال أيضاً حياته الأدبية ، إذ شبت بينه وبين جرير حرب لسانية دامت نحواً من خمسين سنة كان الباعث عليها تهاج بين جرير والبعيث المجاشعي. وقد جرير القول في نساء مجاشع فاستنهض عليه الفرزدق. وكان لتلك الحرب صدى واسع في البلاد وضج بها المربد ، وانقسم الناس فرزدقياً وجريرياً ، ولم يشهد أف تاريخ الأدب شاعرين تهاجيا بمثل ذلك ، وقد تدفق عليه سيل من الشعر الهجالي ومن النقائض . وتوفي الفرزدق بالبصرة نحو سنة ٧٣٢ م / ١١٤هـ . وقد نيف على التسعين.

 شخصيت الفرزدق

الفرزدق رجل شهوة فاجرة صارخة استولت على قلبه فأفقدته الإخلاص في المودة حتى لأدنى الناس إليه كأولاده ، وكان هزيل العقيدة الدينية ، وإن أظهر التقوى وهجا إبليس، متقلباً ، في نزعته السياسية ، يتظاهر مع الأمويين إذا قضت الحال ، ويضمر الولاء للعلويين ، ويتتبع في كل حال ما فيه مصلحته . وكان الى ذلك فخوراً حتى التيه والخروج عن الرصانة وجباناً متبجحاً ، كما كان شديد التعصب لقومه حريصاً على إعلاء مآثرهم ، لا يرضى عن هضم لحقوقهم ، دائماً متأهباً للدفاع عنهم حتى لدى ذوي السلطان ، وسلاحه في ذلك مدح لمن جاراه وهجاء لمن خالفه .

أدب الفرزدق حیث

للفرزدق ديوان طبع قسم منه في باريس سنة ١٨٧٠ ، وطبع القسم الآخر في مونيخ سنة ١٩٠٠ . ثم تعددت طبعاته في مصر ولبنان. ونشرت نقائض جرير والفرزدق في لدن سنة ١٩٠٥ – ۱۹۱۲ في مجلدين كبيرين ، ومجلد ثالث تضمن الفهارس. وأما أغراض شعر الفرزدق فهي جميع أغراض الشعر الجاهلي من مدح ورثاء ، وفخر وهجاء ، ووصف وغزل 

الفرزدق شاعر النضال السياسي :

كانت حياة الفرزدق مصطبغة بصبغة النضال السياسي والأدبي ، ولهذا اصطبغ شعره بهذه الصبغة نفسها فكان شعر نضال سياسي، وشعر نضال أدبي . كانت نزعة الفرزدق في سياسته نزعة قومية، ولم يتصل بالسياسة العليا إلا عن طريق السياسة القومية ؛ ففي أول أمره كان اعتصامه بقومه اعتصاماً كليا ، وابتعد عن البلاط الملكي في عهد معاوية وابنه يزيد ومن بعدهما ممن سبق عبد الملك بن مروان . ولكن اتصل بمعاوية لما كان ذلك إلا للاحتجاج على الخليفة الذي أدخل ميراث الحنات المجاشعي ، عم الشاعر، في بيت المال.ولما كان عهد عبد الملك وابنه الوليد لم تتبدل سياسة الفرزدق القومية ، فهو يتصل بالبلاط في سبيل قومه ، ويتكلم بلسانهم ، ويسأل الوليد أن يخفف عنهم ما هم فيه من فاقة وضنك :

أعتْ مُضَراً ، إِنَّ السِّنِينَ تَتَابَعَتْ عَلَيْهَا بِحَقِّ يَكْسِيرُ العَظْمَ كَاسِيرُهُ

 ويزيد على ذلك المدح لآل مروان ، راجياً بقاء دولتهم ، ودوام عزهم ونصرهم ،

ملحاً في طلب العون لقومه ، مصوراً بطش الحجاج ، مظهراً خوفه منه :

 أخافُ مِنَ الحَجَّاجِ سَوْرَةَ مُخلِيرٍ ضَوَارِبَ بِالْأَعْنَاقِ مِنْهُ خَوادِرُهُ

ويجمع الى المدح الشكوى من معاملة بعض العمال . وفي ولاية سليمان بن عبد الملك ازداد الفرزدق نشاطاً ، ولا سيما وإن الحجاج قد مات ، فهجاه بعد أن رثاه ، مؤيداً بهجائه له حق سليمان. وفي عهد هشام بن عبد الملك شغل الفرزدق بالسياسة الاقليمية الشرقية في العراق وخراسان . وذلك في ولاية خالد القسري اليمني الذي انتقم من مصر لقتل يزيد بن المهلب ، وكان من ضحاياه عمرو بن يزيد الأسيدي فيثور الفرزدق في سبيل مصر كلها بالعراق والشام، ويسأل الخليفة أن ينقذهم من هذه العصبية اليمانية” ويقول :

فَقُلْ لِي مَرْوانَ مَا بَالُ ذِمَّةٍ وَحُرْمَةِ حِلَّ لَيْسَ يُرْعَى دِمَامُها 

الا في سبيلِ اللهِ سَفْكُ دِمَائِنَا بِلَا جُرْمَةٍ مِنَّا يَبِينُ اجْتِرَامُها

أرى مصر لمِصْرَيْنِ قَدْذَلَّ نَصْرُها وَلَكِنَّ فَيْساً لَا يُذَلُّ شَامُهَا  

فغير. أمير المؤمنينَ فَإِنَّها يَمَانِيَةٌ حَمْقَاءُ أَنتَ هِشَامُها

أما السياسة العامة ، فقد ألم بمذهب الأمويين السياسي، وأعلن حقهم بالخلافة ، وأنها ستدوم لهم :

أمَّا الْوَلِيدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْرَثَهُ بِعِلْمِهِ فِيهِ مُلْكاً ثَابِت الدعم

 خِلَافَةٌ لَمْ تَكُنْ غَصْباً مَشُورَتُهَا أَرْسَى قَوَاعِدَهَا الرَّحْمَانُ ذُو النَّعَمِ

 كانت لعثمانَ لَمْ يَظْلِمُ خِلَافَتها فانتَهَكَ النَّاسُ مِنْهُ أَعظَمَ الحُرَمِ

وهكذا نراه ينكر تشيعه، على الأقل ظاهرياً. تلك سياسة الفرزدق، فهي متقلبة تراعي الأحوال وتسعى في الاستفادة من كل حال. كان رائده المصلحة الشخصية أو القومية ، كما كان التكسب مرماه في أكثر الأحوال المدح ورثى وهجا . وها نحن نتوقف عند مدحه ، تاركين الهجاء لما سيأتي من كلام. أما الرثاء فهو قليل عند الشاعر ، قاله في بعض ذويه ، وبعض أرباب السلطان كالحجاج وسليمان ؛ وهو قليل الماء والرواء لأنه لا يأتي عن عاطفة صادقة .

المدح : 

مدح الفرزدق خلفاء بني أمية، ووصفتهم بأنهم أصحاب الحق في الخلافة، كالقمر المضيء في الليالي الظلماء، وسيوفهم كسيوف الله ساطعة في وجه الظلم. ، واذا النصر حليفهم لأنهم أصدقاء الله والله معهم ، واذا الهدى مشرق من وجوههم فهم الهادون والمهديون ومدح زين ا العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ” بقصيدته الشهيرة التي مطلعها 

هذا الذي تَعْرِفُ البطحاء وَطأتَهُ. وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ، وَالحِلَّ وَالْحَرَمُ

 هذا ابْنُ خَيْرٍ عِبَادِ اللَّهِ كُلُّهُمُ ، هذا التَّقِيُّ ، النَّقِيُّ ، الطَّاهِرُ، العَلَمُ

وإذا زين العابدين ابن خير عباد الله كلهم ، يزينه حسن الخلق والخلق ، ويجمع الى سمو الأصل سمو الشمائل … ومدح الفرزدق أمراء أمية وعمالهم ، وإذا هم جبال الأرض وبهم ثباتها، وسيوف الله سلها على أعدائه .

مدح الفرزدق صورة لنزعته الجاهلية ، وبيئته الأموية ، ونفسيته الخاصة . أما النزعة الجاهلية فظاهرة في أسلوب القصيدة وغلاظة الألفاظ ، وفي بعض المعاني والأوصاف المقتبسة ممن سبق من شعراء التقليد . وأما البيئة الأموية فظاهرة في الأشخاص المختلفي النزعات الذين يمدحهم الشاعر ، وظاهرة أيضاً في الصبغة الإسلامية التي تصطبغ بها معاني مدحه ، فقد أكثر ، على فساد سيرته ، من المعاني والألفاظ القرآنية الدينية وفن القصص القرآني . وأما نفسية الشاعر الخاصة فهي ظاهرة في تناقضها ، وهذا التناقض ظاهر في أميال الشاعر السياسية وأمياله المعنوية والأخلاقية . فهو متقلب في عاطفته وإخلاصه ، وهو قدير على التلون ، يساعده الخوف أو حب التكسب الذي يرافقه في أكثر الأحيان ، وهذا التكسب ، الذي ينزل الى درجة السؤال والتذلل ، يجتمع الى تغني الرجل بالكرم والإباء ورفعة النفس . وإننا لا نكاد نلمس صدق العاطفة إلا في مدح آل البيت، أما في سواهم فيعمد الشاعر الى الغلو والمداهنة ليغطي ضعف العاطفة

 الفرزدق شاعر النضال الأدبي  ونعني بالنضال الأدبي ما دار خصوصاً بين الفرزدق وجرير من تهاج ومشاتمة

 الفخر :

وميزة الهجاء عند الفرزدق هي الفخر أولاً . فهو يجعل قصائد الهجو في جو وسيع من الفخر والتبجح ، وقد يفتتحها أحياناً بالفخر. فيأتي خصمه دائماً من

عل ، ولهذا قيل : « الفرزدق إذا هجا ارتفع .. يرتفع على جرير خصوصاً ، وكان جرير

من أحقر بيوت تميم ، والفرزدق من أشرفها ؛ فكلما أقبل الفرزدق على هجائه ، تعالى عليه ، ووازن بين الشرف والحقارة ، وأخذ بتعداد آبائه وأجداده ، مفصلاً مآثرهم في الجاهلية والإسلام ، معبراً جريراً بأصله وخلو قومه من رجال يشبهون دارم ومجاشع . 

وأما موضوع فخره فقومه ونفسه ، وفخره بقومه أشد منه بنفسه . فقومه في نظره أعزّ العرب بيتاً ، وأرفعهم شرفاً ، وأوسعهم خيراً وكرماً ؛ هم ذوو العقول التي توازي الجبال ، والثبات الذي لا يزعزع .

 إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءِ بَنَى لَنا بَيْتاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

 بيتاً بَناهُ لَنَا المَلِيكُ ؛ ومَا بَنى حكمُ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُنقَلُ 

 حلل المُلُوكِ لِبَاسُنَا فِي أَهْلِنَا وَالسَّابِعَاتِ إِلَى الْوَغَى نَتَسَريلُ

 أحلامُنَا تَزِنُ الْجِبَالَ وَزَانَةٌ، وَتَخَالُنَا إِنَّا إِذَا مَا نَجْهَلُ

وهو في نظر نفسه كريم كالبحر ، شجاع كالأسد ، رفيع كالبدر ، يؤلم كالحية ، ورث الشعر من امرئ القيس والمهلهل وطرفة والأعشى وغيرهم من كبار الشعراء :

 وَهَبَ القَصَائِدَ لِي النَّوابِعُ إِذْ مَضَوْا وَأَبو يَزِيدَ ، وَذُو الفُرُوحِ ، وَجَرْوَلُ

وإذا فخر الفرزدق اتسعت آفاقه، واشتدت لهجته ، وطال نفسه ، وقويت عبارته ، ولكنه يضطرب في ميدان قلما يتبدل ، ويأتي بمعان قليلة التنوع.

 الهجاء

 وبعد الاعتماد على الفخر ، والتقوي به ، ينقض الشاعر على خصمه بالهجاء فيوسعه تعييراً ، ويرميه بالذلة ، فيصوره حقيراً ، سارقاً للشعر ؛ ويصور أهله موطناً للمخازي، فينشر مثالبهم ، ويفحش في النيل من أعراضهم بألفاظ الأوباش ومعانيهم ، منهكماً ، مختلفاً ، كاذباً ، عارضاً صوراً شتى تمثل خساسة المهجو في نفسه وأهله وعشيرته ، لا يزعه في قوله وازع ، ولا يحد من بذاءته دين.

 وربما نال من عشيرة جرير أكثر مما نال من جرير نفسه. وهو في هجائه لغير جرير أقل إقذاعاً وفحشاً. وهو يضيف الى المفاخرة والهجاء الدفاع عن تغلب قبيلة حليفه الأخطل، فيشيد بآثارهم ويعدد أمجادهم في الجاهلية والإسلام، كما يهجو قيس عيلان التي يهجوها الأخطل ويدافع عنها جرير .

وامتد هجاء الفرزدق الى إبليس . وذلك أن الشاعر دخل يوماً المربد ، فلقي رَجُلاً من موالي باهلة يقال له حمام ، ومعه زق فيه سمن . فسامه الشاعر به . فقال له : و أدفعه إليك وتهب لي أعراض قومي . فقال قصيدة يهب له أعراض قومه ويهجو إبليس ، ومطلع القصيدة :

إذا شِئْتُ هَاجَتْني دِيَارٌ مُحِيلَةٌ، وَمَرْبِطُ أَفْلاءِ أَمَامَ خِيام

وتكاد تكون هذه القصيدة مع بعض أبيات أخرى غيرها للشاعر من باب الزهد الذي لم ينظم فيه أحد غيره في هذا العهد. ولكن توبة الفرزدق هذه لم تدم طويلاً لما كان عليه من فحش وفجور.

 الفرزدق شاعر الوصف والغزل 

 الوصف : كان الفرزدق بفضل خياله الواسع وملاحظاته الدقيقة وقصصه الشيقة، تمكن الفرزدق من وصف الواقع وصفًا دقيقًا، مما جعله من أبرز الشعراء الوصافين في العصر الأموي. أما موصوفاته فكثيرة منها ما هو منتزع من البادية كالذئب ، والأسد ، وحمار الوحش ، ومنها ما هو من حياة الحاضرة كالسفينة ، والجيش ، والغوص في طلب الدرة ، وما الى ذلك . ويجمع وصفه بين سحر السرد ووحشية البرية، حيث ينسج الشاعر حكايات مشوقة مستوحاة من عالم الحيوانات المفترسة، معبراً عن تعاطفه معها . ففي وصفه للذئب يظهر استعداداً لأن يلبس ذلك الوحش من ثيابه ، وأن يقاسمه زاده :

فلما دَنَا قُلْتُ ادْنُ دُونَكَ إِنِّي. وَإِيَّاكَ، فِي زَادِي، لَمُشْتَرِكانِ

فَبِتْ أُسَوِّي الزَّادَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَلَى ضَوْءٍ نَارٍ مَرَّةً وَدُخَانِ

 ووصف الشاعر يتناول المرئيات أكثر من المعنويات، ويمتاز بالدقة، وحسن التصوير، كما يمتاز بنبرة شخصية مبتكرة، أو جدها ما يتخلله من قصص.

 الغزل :

 أما الغزل عند الفرزدق فهو غزل مادي حسي فيه غلاظة وبحون . وهذا المجون ظاهر في الألفاظ والمعاني والعاطفة في هذا الغزل خشينة ، كما أن القصص الغرامي ، الذي يحاول الشاعر أن يقلد فيه امرأ القيس وابن أبي ربيعة ، غليظ المعنى . والمبنى ، بعيد عن فن الشاعرين السابقين، ولا سما الثاني منها، ولا عجب قطبيعة الفرزدق غليظة ، ونفسه خشنة ، ولغته صلبة .

هذا هو الفرزدق في مدحه وهجائه وفخره ووصفه ، وهو يبدو لنا في مظهرين اثنين : مظهر الرجل المتكالب في تطلب المتعة السمجة وفي نهش الأعراض ، ومظهر الرجل القريب الى القلب الذي يندم في سذاجة ولطف، ويظهر العطف على الحيوان من غير ما كلفة ولا تصنع . وإنه على كل حال شاعر أقرب الى البداوة منه الى الحضارة ، ينزع في شعره نزعة الصلابة وشدة الجرس والإيقاع ، ولم يخطئ من قال فيه إنه ينحت من صخر

جرير والفرزدق والأخطل في حضرة عبد الملك بن مروان

في حضرة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، اجتمع الشعراء الثلاثة جرير والفرزدق والأخطل، الذين كانوا من أبرز شعراء النقائض في العصر الأموي. كان هذا اللقاء فرصة لعرض مهاراتهم الشعرية والتنافس فيما بينهم. يُروى أن عبد الملك بن مروان سأل الأعرابي الذي دخل عليه عن أهجى بيت قالته العرب في الإسلام، فأجابه الأعرابي ببيت من شعر جرير. أثار هذا الرد إعجاب الخليفة، مما دفعه إلى سؤال الأعرابي عن أمدح وأرق بيتين في الإسلام، وكان كلاهما أيضًا من شعر جرير.